الاعتكاف من العبادات التي تجمع كثيراً من الطاعات ؛ من تلاوة القرآن ، والصلاة ، والذكر ، والدعاء ، وغيرها , والمعنى اللغوي لكلمة الاعتكاف: لزوم الشيء وحبس النفس عليه , وفي الشرع : لزوم المسجد والإقامة فيه من شخص مخصوص بنية التقرب إلى الله تعالى .
وفي الاعتكاف خلوة شرعية ، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره ، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه ، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه ، فما بقي له هم سوى الله و ما يرضيه عنه .
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر , ومن ثم فهو قربة وطاعة , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً " [رواه البخاري] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعتكف في كل رمضان فإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه " [متفق عليه] .
وعنها رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده ) [متفق عليه] .
شروط الاعتكاف :
والمعتكف يجب أن يكون مسلماً , ممميزاً ، طاهراً من الجنابة والحيض والنفاس , فلا يصح من كافر ، ولا صبى غير مميز ، ولا جُنب أو حائض أو نفساء .
ما ذا يفعل المعتكف:
ويستحب للمعتكف أن يُكثر من نوافل العبادات , و يشغل نفسه بالصلاة ، وتلاوة القرآن ، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، والاستغفار ، والصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء ، و نحو ذلك من الطاعات والعبادات التي تقرب العبد من ربه - عز وجل – , ويمكنه - أيضا - القراءة في كتب التفسير أو الحديث وغيرها ، أو الجلوس في حلقات الذكر والعلم .
ويستحب له أن يأخذ صحن في المسجد ؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم , ويُكره له أن يشغل نفسه بشيء غير العبادات والطاعة ؛ مثل : الكلام في غير المفيد ، أو العمل في شيء غير الطاعات .
ما يباح للمعتكف
1ـ الخروج لحاجه التي لابد منها لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً و لا يشهد جنازة و لا يمس امرأة و لا يباشرها و لا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه ) [رواه أبو داود
2ـ وله أن يأكل ويشرب في المسجد وينام فيه مع المحافظة على نظافته وصيانته
3ـ الكلام المباح لحاجته أو محادثة غيره .
4ـ وتقليم أظافره وتنظيف بدنه وتمشيط شعره ولبس أحسن الثياب والتطيب
بالطيب ، فعن عائشة رضي عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون معتكفا في المسجد فيناولني رأسه من خلل الحجرة فأغسل رأسه ) وفي رواية ( فأرجله ) [متفق عليه] .
5ـ خروجه من معتكفه لتوديع أهله لحديث صفية أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك .
ما يكره للمعتكف:
1ـ البيع والشراء
2ـ الكلام بما فيه إثم
3ـ الصمت عن الكلام مطلقاً إن اعتقده عباده , فيُكره له الإمساك عن الكلام ؛ ظناُ منه أن ذلك يقربه من الله – عز وجل – فقد روى البخاري و ابن ماجة و أبو داود عن ابن عباس ، عن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال : ( بينما النبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب , إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه , فقالوا : أبو إسرائيل , نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، ويصوم , فقال النبي – صلى الله عليه و سلم - : " مُره فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، ولُيتم صومه)
مبطلات الاعتكاف :
1ـ الخروج من المسجد لغير حاجة عمدا ولو قل .
2ـ الجماع .
3ـ الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة لفوات شرط الطهارة .
وقت دخول المعتكف المسجد والخروج منه:
متى دخل المعتكف المسجد ونوى التقرب إلى الله بالمكث فيه صار معتكفاً حتى يخرج ، فإن نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس آخر يوم من الشهر .
ما هو أقل الاعتكاف؟
اختلف العلماء على عدة أقوال ، منهم من قال أقل الاعتكاف عشرة أيام، ومنهم من قال يوم وليلة، ومنهم من قال يوم أو ليلة، ومنهم من قال لحظة، وأرجح الأقوال وهو الذي تؤيده الأدلة أن أقله يوم أو ليلة، لحديث عمر قال: " أوفِ بنذرك"، قال:"نذرت أن أعتكف ليلةً" وفي رواية "يوماً"، وهما صحيحتان.
ثمرات الاعتكاف:
أولاً: الإخلاص والتعويد والتربية على الإخلاص لأنك في معتكفك لا يراك أحد إلا الله جل وعلا، فالإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك،
ثانياً: التربية على التخلص من فضول الكلام والطعام والنوم والخلطة وتعويد النفس على ذلك.
ثالثاً: التربية على العبادة وخاصة قيام الليل وقراءة القرآن والاستغفار والذكر والمناجاة , وتقوية الصلة بالله تعالى واللجوء إليه ومناجاته , و ترك المعاصي أو التقليل منها.
رابعاً: التفكر والتعود على الاستخدام الأمثل لنعمة العقل وخاصة في زمن الفتن والمحن .
خامساً: الاعتكاف يعود المسلم على مواجهة الشدائد , والتربية على الصبر ومجاهدة النفس وعدم اتباع الهوى والشيطان , ففي الاعتكاف الصحيح تتعود على الحرمان , فتحرم من نوع من الطعام ,والحرمان من النوم أحياناً ,و الحرمان من الناس, و الحرمان من فضول الحاجات.
سادساً: من ثمرات الاعتكاف مراجعة النفس ومحاسبتها في أمور الدين والدنيا , و التربية على الاستخدام الأمثل للوقت.